[center]
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين،
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما
ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا
إتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول
فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها
الأخوة المؤمنون: نحن في موضوعات متسلسلة هي تربية الأولاد في الإسلام،
ولكن أردت أن أقطع هذه الموضوعات المتسلسلة لأعالج موضوعاً طارئاً وقد يكون
هذا الموضوع من أخطر الموضوعات على الحياة الاجتماعية بين المؤمنين.
كيف
أن قطرات من حمض يمكن أن تفسد كميات كبيرة من اللبن أو الحليب كيف أن
نقاطٍ من النفط يمكن أن تفسد كميات كبيرة من أفضل أنواع الأغذية كذلك
النميمة يمكن أن تفسد مجتمعاً بأكمله، والواحد أحياناً يقول لك أنا لا أفعل
الكبائر، لا أكذب ولم أسرق، ولمَ ولم... لكنه كان ينقل كلاماً من إنسان
لإنسان فإذا بهذا العمل يوجب له النار.
أخوانا
الكرام: لا يوجد مجال إطلاقاً للمبالغة، الشرع لا يوجد فيه مبالغة، كلام
النبي عليه الصلاة والسلام حق من عند الله تعالى، فأنا الآن سأسوق لكم بعض
الآيات والأحاديث التي وردت في موضوع النميمة، ممكن إنسان واحد يفسد علاقة
ألف إنسان وقد يدفع بهؤلاء جميعاً إلى أشد أنواع العداوة والبغضاء، وقد
يدفع بهم إلى التقاطع والتدابر لذلك عظم الذنب بعظم آثاره والنميمة لها
آثار لا تعد ولا تحصى، سأريكم في هذا الدرس نماذج من مواقف الصحابة
والتابعين والعلماء العاملين في هذا الموضوع، ولو تصورنا أن جماعةً محدودة
لم يكن بينهم نميمةٌ ولا غيبة لكانوا متماسكين متعاونين كأنهم صفاً واحداً
أولاً الله سبحانه وتعالى حينما قال:
[center]﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) ﴾
( سورة القلم )
الزنيم هو الدعي، ومعنى الدعي ولد الزنا، يعني الله عز وجل جعل الذي يمشي بالنميمة أقرب إلى أن يكون من الزنا، آية ثانية قال تعالى:
﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) ﴾
( سورة الهمزة )
الهمزة هو النمام، وقال تعالى حينما تحدث عن أبي لهب:
﴿تَبَّتْ
يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ
(2) سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ
(4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5) ﴾
( سورة المسد )
أي كانت أم جميل تمشي بالنميمة وكأنها تحمل حطباً يحرق الناس، وقال تعالى:
﴿ضَرَبَ
اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ
كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا
فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا
النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) ﴾
( سورة التحريم )
قيل
كانت امرأة لوط تخبر بالضيفان، وامرأة نوح تخبر أنه مجنون، وقد قال صلى
الله عليه وسلم، والله هذا الحديث أيها الأخوة لو الإنسان صدق أنه من عند
رسول الله والنبي عليه الصلاة والسلام لا ينطق عن الهوى، إن صدق هذا الكلام
في حديث متفق عليه وإذا قلت لكم متفق عليه يعني هو من أعلى أنواع الأحاديث
على الإطلاق، أي اتفق عليه الإمام البخاري ومسلم يقول عليه الصلاة
والسلام:
((
عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلاً يَنُمُّ الْحَدِيثَ
فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ ))
ولو صلى ولو صام، ولو حج، ولو أدى زكاة ماله، ولو زعم أنه مسلم، لا يدخل الجنة، وفي حديث آخر:
((
عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ رَجُلاً
يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا يَدْخُلُ
الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ ))
والقتات هو النمام عن أبي هريرة :
((
أحبكم إلى الله أحاسنكم أخلاقاً الموطؤون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون،
وإن أبغضكم إلى الله ـ أبغضكم على الإطلاق اسم تفضيل ـ المشاءون بالنميمة،
المفرقون بين الأخوان، الملتمسون للبرءاء العيب))
((
عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقًا وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ
وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ
وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا
الْمُتَفَيْهِقُونَ قَالَ الْمُتَكَبِّرُونَ قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِي
الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا
الْوَجْهِ وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ
فَضَالَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ عَبْدِ
رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ وَهَذَا أَصَحُّ وَالثَّرْثَارُ هُوَ الْكَثِيرُ
الْكَلَامِ وَالْمُتَشَدِّقُ الَّذِي يَتَطَاوَلُ عَلَى النَّاسِ فِي
الْكَلَامِ وَيَبْذُو عَلَيْهِمْ ))
أنا لا أشرح أنا أسمعكم آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال صلى الله عليه وسلم:
((
ألا أخبركم بشراركم قالوا بلى يا رسول الله، قال: المشاؤون بالنميمة
المفسدون بين الأحبة الباغون للبرءاء العيب، وقال أبو ذر قال عليه الصلاة
والسلام من أشاع على مسلم كلمةً ليشينه بها بغير حق شانه الله بها في النار
يوم القيامة ))
((
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشِرَارِكُمْ فَقَالَ هُمُ
الثَّرْثَارُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ
أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا ))
((
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلا أُخْبِرُكُمْ
بِخِيَارِكُمْ قَالُوا بَلَى قَالَ فَخِيَارُكُمِ الَّذِينَ إِذَا رُءُوا
ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى أَلا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ قَالُوا بَلَى
قَالَ فَشِرَارُكُمُ الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الأحِبَّةِ الْمَشَّاءُونَ
بِالنَّمِيمَةِ الْبَاغُونَ الْبُرَآءَ الْعَنَتَ ))
أخوانا
الكرام قبل أن تتلفظ بكلمة يجب أن تعلم أن كلامك من عملك، وليس كلام هذا
عمل لأن كلمة ربما فسخت علاقة، كلمة ربما أفسدت بين محبين، لا تنسوا أن
الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿يَسْأَلُونَكَ
عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا
اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) ﴾
( سورة الأنفال )
ولا تنسوا أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((
عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ
الأمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ
الْحَالِقَةُ حَالِقَةُ الدِّينِ لا حَالِقَةُ الشَّعَرِ وَالَّذِي نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ
بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ
))
ينتهي الدين كله، مجتمع بلا دين إذا كان
يوجد نميمة، رغم الصلاة والصوم والحج والزكاة، تذكر هذا المثل حلة حليب
نقطتان من الحمض يفرط كله، أغلى طبخة نقطتين كاز تكبها، هكذا النميمة لا
تبقي شيئاً.
أيما رجل أشاع
على رجل كلمةً وهو بها بريء ليشينه بها في الدنيا كان حقاً على الله أن
يذيبه بها يوم القيامة بالنار، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
((
عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ مَنْ شَهِدَ عَلَى مُسْلِمٍ شَهَادَةً لَيْسَ
لَهَا بِأَهْلٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ))
مرة ثانية كلامك جزء من عملك:
((...
وَإِنَّا لَنُؤَاخَذُ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ
مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ
أَلْسِنَتِهِمْ ))
لا يستقم إيمان عبد حتى
يستقم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، إنسان يتكلم على كيفه، جلس
في جلسة ويقول هكذا قال عنك فلان، رأساً العرى انفصمت، دخل الحقد، البغضاء،
كما قال الله عز وجل يصف أهل الكفر:
﴿لَا
يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ
وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً
وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14) ﴾
( سورة الحشر )
يعني هل مر على المسلمين وقت هم في تمزق وتناحر وعداوة وبغضاء كهذا الوقت العصيب، بأسنا بيننا، الله عزوجل وصف المؤمنين:
﴿مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً
مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ
السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ﴿وَمَثَلُهُمْ فِي
الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ
فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ
الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29) ﴾
( سورة الفتح )