الدليل على أن العالم مخلوق وأنه بحاجة إلى خالق وإبطال قول من يقول : العالم لا خالق له ، ومن يقول الطبيعة خلقت العالم أوأن العالم خلق نفسه بنفسه .
وهذه المواضيع يجب أن يعرفها كل مكلف لأنها تطرح كثيرا في مجتمعنا هذا . وأن يفهم الناشئة هذه الأمور كيلا تؤئر عليهم المعطيات المدرسية .
الدليل على أن العالم مخلوق :
لما نستدل على أن العالم مخلوق ، يدل ذلك على أنه يحتاج إلى خالق فالعالم هوكل شيء غير الله والعالم مركّب من جِسم وعَرَض ، فالجسم هوالذات والعَرَض هي الصفات ، الجسم مركب من أجزاء والصفات قائمة بهذا الجسم ، وكل جزء من أجزاء العالم هومادة ، إما مادة لطيفة ، كالنور والروح والهواء والملائكة ، أومادة كثيفة كالثياب أوالحجر أوالشجر وكل المادة قابلة للتطور والتغير . وكل مادة مهما كانت صلبة أومرنة ، لينة أورطبة أويابسة ، حارة أوباردة، فهي محتاجة إلى تجميع أجزائها ،
وكل شيء قابل للتغيير والتطوّر بحاجة إلى من يغيره ويطوّره ، وكل شيء تحدُث به صفة لم تكن موجودة من قبل يكون مخلوقا ، وكل شيء لم يكن موجودا ثم صار موجودا فهومخلوق ، وبما أنه جزء من العالم صار مخلوقا فسائر أجزائه تكون مخلوقة . إذا كان يجوز على إصبعي المرض فجاز المرض على جميع جسمي لأن إصبعي هوجزء من جسمي ومن نوعه وما جاز على الجزء أوعلى الشيء جاز على شبيهه . خالق العالم لا يجوز عقلا أن يكون من صفة المخلوقات ولوكان خالق العالم من جنس المخلوقات لطبقنا عليه القاعدة :
ما جاز على الشيء جاز على شبيهه.
فلا يجوز للخالق أن يحتاج لغيره ، ولا يجوز عقلا أن يكون الخالق من جنس المخلوقات ولا يجوز أن يكون مادة ملموسة لها مكان لأنها إذا احتاجت إلى مكان فهي محتاجة إلى غيرها والمحتاج إلى غيره لا يكون إلها فلا يجوز لخالق الكون أن يكون من جنس الكون بل وجب عقلا أن يكون الله لا يشبه المخلوقات لأن المخلوق يحتاج إلى غيره إلى من خلقه ولا يجوز أن يكون العالم قد خلق نفسه لأنه هونفسه مخلوق .
جواب الذي يقول : العالم خلق نفسه :
تعريف الطبيعة أنها مجموعة الشمس والقمر والنجوم والكواكب وما على الأرض ومن حولها ، فهل الطبيعة عندها إرادة لتخلق الشيء ؟ شيء ليس موجودا وهي لا تملك صفة الإرادة والحياة والبصر والسمع والذي لا يوصف بهذه الصفات من غير المعقول أن يخلق شيئا له هذه الصفات والقاعدة العقلية تقول فاقد الشيء لا يعطيه ، ولا يجوز عقلا أن أقول أن الشيء المعدوم خلق شيئا موجودا ، مثلا لا يتصور أحد أن بائع الخضرة أستاذ لغة أجنبية لأنه لا يفقه في اللغة الإنكليزية ويفقد معلوماتها فلا يمكن أن يعطيها لغيره لأنه لا يعرفها في الأساس إلا إذا كانت معجزة الأنبياء .
فالطبيعة الفاقدة للصفات كالسمع والبصر والقدرة والإرادة لا يجوز عقلا أن تخلق حيوان وبالأولى لا تستطيع أن تخلق ما هوأعظم من الحيوان . فإذا نظرنا إلى السماء والشمس والنجوم وإلى نظامها المتقن ، وعظمة المصنوع تدل على عظمة الصانع فخالقها عظيم قدير ، ولا يجوز القول أن الذي خلق ونظم وأحكم هذه الأشياء شيء غير موجود لأن الشيء الذي يحدُث لا بد له من مُحدِث .
خلاصة :
1- مرّ معنا أن العالم مخلوق ومتغيّر ومتطوّر وكل متطوّر يكون موصوفا لصفات المخلوقات ، والموصوف بصفات المخلوقات يكون مخلوقا والمخلوق يحتاج إلى خالق ، والخلق لا يجوز أن يكون من جنس المخلوقات وإلا لاحتاج كذلك إلى خالق .
2- ومرّ معنا أن العالم لا يجوز أن يكون خلق نفسه بنفسه لأن معناه أن هذا الشيء جاء مرة قبل نفسه ، ومرة بعد نفسه ، ولأن الشيء الذي لا يكون موجودا أي معدوم لا يجوز وغير ممكن أن تكون عنده قدرة على الإيجاد ( موجود وغير موجود ، إجتمع ضدّان وهذا محال ) .
3- ومرّ معنا أنه لا يجوز أن تكون الطبيعة خلقت العالم لأن الطبيعة مادة ، والمادة مخلوقة وليس عندها قدرة وعلم ذاتيان ولا حياة ذاتية وفاقد الشيء لا يعطيه . ولأنه ليست عندها الصفات التي تجعلها قادرة على خلق العالم .